صاغ المعالجون المعرفيون (بيك وزملائِه (Beck, et al; 1985) مبادئ، وأسس العلاج في عشرة مبادئ هي على النحو التالي:
المبدأ الأول: نموذج تفسير الاضطرابات الانفعالية:-
يتأسس العلاج المعرفي على النموذج المعرفي لتفسير الاضطرابات الانفعالية ومؤدى هذا النموذج: "أن الناس يضطربون، ويعانون من المشكلات النفسية ليس بسبب الأشياء في حد ذاتها، بل بسبب طبيعة وأسلوب تفكيرهم إزاء الأشياء، والإحداث".
وطبقا لهذا التفسير فإنه إذا أردنا تغيير مشاعرنا، وانفعالاتنا، ومسالكنا المضطربة، فإنه ينبغي علينا أن نغير عقولنا، وأساليب تفكيرنا. فمثلا، المريض الذي يعاني من القلق ويقول: " لدى مبرر قوى للشعور بالقلق"، هنا ينبغي على المعالج أن يتساءل "هل هناك تشوهات معرفية في تفكير المريض؟" وينبغي أن يأخذ المعالج في اعتباره أن التشوهات المعرفية للمريض تتركز في تقييمه المباشر للمواقف، وللأحداث، ورؤيته للنتائج بعيدة، وقريبة المدى.
ويكون النموذج المعرفي فعالاً بدرجة خاصة في حالة تمكن المعالج من النموذج المعرفي للاضطرابات الانفعالية، ويكون لديه القدرة على التمييز بين الإدراك، والانفعال، والسلوك، والاستجابات الفسيولوجية. وأن يكون قادراً على أن يفهم بوضوح أن الاضطرابات الانفعالية ( قلق اكتئاب، وسواس، رهاب مجتمع...) تنتج بسبب التقييم الخاطئ أو المختل وظيفياً للمواقف. وهنا ينبغي أن يقدم المعالج هذا الشرح، والتفسير لطبيعة الاضطرابات موضوع العلاج في الجلسة الأولى ويكرره طوال فترة العلاج وكثيراً ما تكون هذه الشروح، والتفسيرات علاجاً. وقد يساعد في التفسير استخدام الرسوم التوضيحية، واستخدام السبورة للوصول لفهم أكبر.
ودور العلاج المعرفي هو مساعدة وجعل الناس يعون، ويعيشون مشاعرهم.
جدير بالمعرفة هنا أنه من المفيد أن يعرف المرضى بأن مشاكلهم الانفعالية تقع في أربعة فئات عامة هي: القلق، والاكتئاب، والغضب، والسرور، والمتعة.
فالمرضى ينزعجون من أعراضهم الانفعالية، النفسية، ويتشبث الكثير منهم بأفكار تضفي غموضاً، وتهديداً لحياتهم النفسية، وتزيدهم اضطراباً، وتوجساً. فيعتقد بعض المرضى أن قلقهم شيء اختياري يفعلونه بأنفسهم. وللنموذج المعرفي مصداقية لدى معظم المرضى. وهذه المصداقية ترجع للوصول لتفسير قائم على الحس المشترك "Common Sense" المتمثل في الرؤية المشتركة لكل من المريض، والمعالج للأفكار، والمشاعر، والسلوكيات المضطربة مثل؛ الغيرة، والشعور بالوحدة، والخجل، والشعور بالذنب، والحزن، والأسى، والخجل، والمماطلة أو التسويف، والكذب، وعدم القدرة على اتخاذ القرار (...). فقد تكون هذه المظاهر أعراض لأحد الاضطرابات الانفعالية (...) ويعد هذا نتاجُُ للتفكير التلقائي السلبي المبالغ فيه، والتشوهات المعرفية.
فمثلا قال أحد مرضى القلق - في الجلسة العلاجية الأولى - أن لديه عدداً من المشكلات مع زملائه في العمل، وفي النوم، وفي القدرة على اتخاذ القرار، ومع النساء، وفي ذكر الحقيقة، والصدق، والشفافية () وبعد الاستماع للتفصيلات، اتضح للمعالج أن مشكلة المريض كانت في كيفية إدارة ومواجهة القلق أولاً ثم الغضب ثانياً. هذا الاختزال لمشاكل للمريض يكون مساعداً في حد ذاته. وبمجرد أن يعترف، ويعرف، ويتعلم المريض أن مشكلته تتعلق بإدارة، ومواجهة اضطرابه، فإنه يكون على استعداد في تلك اللحظة أكثر من غيرها لتقبل التفسير المعرفي لاضطرابه. وبعد تقييم مشكلة المريض يضع المعالج بنية هيكلية للمقابلة يشرح فيها للمريض أعراضه الانفعالية ( قلق، اكتئاب، وسواس، رهاب مجتمع ....الخ) بالتفصيل ليقلل من اهتمامه الزائد المفرط بها، ولإعادة تعليمه بفعالية، وينبغي على المعالج أن يمتلك فهماً قوياً لأعراض المريض، وتختلف الأعراض من شخص لآخر. ويكون ذلك غالباً نتاجُ للتنوعات في الميول الطبيعية أو القواعد العائلية، والثقافية :مثلاً قد تكون اضطرابات المعدة من علامات القلق في إحدى العائلات) إذ يجب على المعالج أن يبحث عن دلالات العلامات، والأعراض غير العادية للاضطرابات الانفعالية في سياقها الثقافي.
ويمثل العلاج المعرفي مجموعة من التقنيات تٌستخدم في إعادة البناء المعرفي، ففي حالة الشخص الذي يعاني من أعراض الاكتئاب (...) لديه في الأساس أفكار، وتصورات خاطئة عن ذاته، وعن العالم، وعن طبيعة اضطرابه. هنا تكون مهمة العلاج الأولى هي مساعدة المريض على رصد، وتصحيح تلك الأفكار، والتصورات. فكثيراً ما يعتقد المريض أن كآبته غير طبيعية، وكثيراً ما يؤمن بأنه بعيد عن الحقيقة. ولأن طبيعة أعراض الاكتئاب تتسم بالمبالغة، وتضخيم مشاعر الحزن، والأسى، فإن المعالج يحتاج إلى التواجد، والحضور وبقوة في تيار الوعي لدى المريض لمناقشة أعراضه.
ويمكن للمعالج أن يحدد ما يخافه المريض حقاً هو مشاعره، وأحاسيسه، ويحتاج المعالج إلى تفسير مستويين من الأعراض في حالتي القلق والاكتئاب،
ففي حالة القلق: يكون الشعور المهيمن هو الخوف (الشعور بالخطر والتهديد) ويظهر المستوى الأول للقلق في: القلق والخوف من الخطر والتهديد المحدق، مثال ذلك: خوف الإصابة بالسرطان أو الأزمة القلبية، والخوف من الإهانة العامة، والخوف من الاختناق، أو الفصل من العمل (...). وأما المستوى الثاني للقلق فهو الخوف من أعراض القلق "القلق حول القلق" "Anxiety About Anxiety" وعدم القدرة على التغلب على المستوى الأول من أعراض الخوف يفاقم المستوى الثاني، ويؤدى إلى دورة مرعبه من القلق. وبالمثل الدورة نفسها في حالة الاكتئاب.
اقرا ايضا :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق