الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

التحليل المعرفي السلوكي للتفاعل الزواجي


التحليل المعرفي السلوكي للتفاعل الزواجي
ب.قاصب/ باحث في علم النفس الصحة و الإرشاد


يقصد بالتفاعل الزواجي التأثير المتبادل بين الزوجين، بحيث يكون سلوك كل منهما مترتبا على سلوك الآخر، و ينقسم التفاعل إلى قسمين:
1.   تفاعل إيجابي: عندما يكون تأثير سلوكيات كل من الزوجين على الآخر طيبا، يثير فيه مشاعر الحب و المودة، و أفكار التعاون و التأييد، و يدفعه إلى عمل ما يرضيه، لدا يسمى التفاعل الزواجي الجالب للسرور.

2.   تفاعل سلبي: عندما يكون تأثير سلوكيات كل منهما على الآخر سيئا و مزعجا، يثير فيه مشاعر العداوة و النفور، و أفكار الخصومة و الانتقام، و يدفعه إلى عمل ما يغضبه و يثيره. لدا يسمى التفاعل الزواجي الجالب للإزعاج. فالتفاعل الزواجي عملية أساسية في الحياة الزوجية، تحر الزواج نحو تحقيق أهدافه، أو تعوقه عن دلك، باعتبار أن الزوجين يكونان جماعة من اثنين لها دينامياتها، و بناؤها و أدوارها و أهدافها. و سنتناول هنا التحليل المعرفي السلوكي للتفاعل الزواجي، فنبين كيف تحدث من بداية الملاحظة فالإدراك و التقويم، و أخيرا رد الفعل أو الاستجابة. تعريف التفاعل الزواجي:  عملية دينامية، مركبة من عمليات حسية و عقلية و وجدانية، يصعب الفصل بينها في الواقع لأنها متداخلة، و تكمل كل منها الأخرى. فالزوج عندما يلاحظ سلوك زوجته يفهمه ثم يستجيب له بسلوكيات تلاحظها هي و تفهمها، ثم تستجيب هي بسلوكيات يلاحظها و يفهمها، ثم يستجيب لها. و هكذا يستمر التفاعل الزواجي حيث يكون كل من الزوجين فاعلا و منفعلا بالفعل، أي مثيرا و مستجيبا في آن واحد.


  

من خلال المخطط نلاحظ أن التفاعل الزواجي يتكون من أربع عمليات رئيسية هي: الملاحظة، و الإدراك، و التقويم، و الاستجابة. و فيما يلي توضيح لها و بيان دورها في التفاعل الزواجي.

  1.  الملاحظة:  Observation عملية حسية، تشترك فيها حاسة أو أكثر من الحواس الخمس، فكل من الزوجين يلاحظ ما يصدر عن الآخر  من سلوكيات تأخذ شكل أفعال، أو أقوال، أو تعبيرات انفعالية أو حركية، ثم تنتقل هده الملاحظات عن طريق الحواس إلى المخ الذي يحولها إلى مدركات عقلية. إدا فالتفاعل يعتمد على سلامة حواس الزوجين، و قدرتهما على الانتباه للأقوال و الأفعال و التعبيرات و الانفعالات التي تحدث بينهما، و أي خلل في حواسهما أو انتباههما، يجعل ردود أعالهما غير مناسبة، و قد يؤدي إلى وقف التفاعل، أو ينحرف به إلى مسارات غير مرغوب فيها. و تتطلب الملاحظة الجيدة الحضور الفيزيقي معا، و تفاعلهما وجها لوجه، و استخدامهما الحواس في التفاعل بينهما، و أهمها حاسة: السمع و البصر، و الشم. التي تجدب كل منهما للآخر، أو تنفرهما من بعضهما البعض. و يرى كثير من علماء النفس الاجتماعي أن المظهر الحسن، و الرائحة الزكية، و الكلام الطيب، من أهم المؤثرات على التفاعل الزواجي، و ينصحون كلا من الزوجين بالتزين للآخر، فيريه منه ما يشرح صدره، و يسمعه من الكلام ما يرضيه، و يشممه من الروائح ما يعجبه، حتى يجذبه إليه، و لا ينفر منه. يقول ابن القيم في دور الحواس في التفاعل الاجتماعي: (العين و الأذن و الأنف إدا وقعت على حسن أوصلته إلى القلب، فيحدث الانجذاب بين الزوجين، و إدا وقعت على قبيح أوصلته إلى القلب أيضا، فيحدث النفور بينهما ).

2.   الإدراك: Perception عملية عقلية، يتم فيها إعطاء معاني للأفعال و الأقوال و التعبيرات التي تلاحظ في التفاعل الزواجي. و تتأثر هده العملية بأفكار الشخص و مشاعره اتجاهاته و ميوله. فعندما يلاحظ أحد الزوجين سلوكيات الآخر، يدركها بطريقته الخاصة، و يعطيها المعنى الذي يفهمه منها، بحسب حالته النفسية و علاقته به، و اتجاهاته نحوه، و رضاه عنه. فقد وجد بعض علماء النفس الاجتماعي  أن الزوجة التي تحب زوجها تنتبه إلى محاسنه، و تتغاضى عن مساوئه، و تعطي سلوكياته معاني طيبة، و تلتمس له الأعذار فيما تلاحظ عليه من عيوب. أما الزوجة التي لا تحب زوجها فتنتبه لعيوبه، و تتغاضى عن محاسنه، و تأخذ سلوكياته بمعان سيئة. و كذلك يتأثر إدراك الزوج لسلوك زوجته بحالته النفسية و اتجاهاته نحوها. و هدا يعني أن التفاعل الزواجي لا يقوم على أساس السلوك الواقعي لكل من الزوجين بقدر ما يقوم على ما يدركه كل منهما في سلوك الآخر. و الإدراك مسألة ذاتية لا تقف عند معرفة كيف يسلك الزوج مع زوجته؟، بل تمتد إلى معرفة كيف تدرك الزوجة هدا السلوك؟. فقد يلاطف الزوج زوجته، و تدرك هي ملاطفته لها مضايقة و إزعاجا. و قد تتزين الزوجة لزوجها، و لا ينتبه لها، أو يدرك ما في زينتها من عيوب.

3.   التقويم: Evaluation عملية عقلية أيضا، يعطي فيها كل من الزوجين قيمة نفسية لسلوكيات الآخر، حسب ارتياحه لها، و رضاه عنها، و إشباعها لحاجاته الجسمية النفسية. و تظهر قيمة هده السلوكيات عنده في ردود أفعاله لها، فإن كانت ردود أفعال تعاون و مودة و تقبل، دلت على تقديره لهده السلوكيات، و إعطائها قيمة نفسية عالية، و رغبته في تكرار الزوج الآخر لها. أما إدا كانت ردود أفعال عدائية غاضبة، دلت على عدم تقبله لها و حطه من شأنها، و رغبته في عدم تكرارها. و يتأثر تقويم السلوك في التفاعل الزواجي بإدراك كل من الزوجين لسلوكيات الآخر، و بتوقعاته منها، فالزوج الذي يجد في تصرفات زوجته ما يتوقعه منها يعطي أفعالها معاني حسنة، ترفع قدرها عنده، و تكون ردود أفعاله لها جيدة، و يحدث العكس عندما تكون تصرفات الزوجة دون ما يتوقعه الزوج، فيسوء تقديره لها. و تكون ردود أفعاله عدائية. كذلك يكون حال تقويم الزوجة لسلوك زوجها و ردود أفعاله له. كما يتأثر تقويم السلوك بالعلاقة بين الزوجين، فالزوج الذي يشعر بمودة زوجته له، يقوم سلوكياتها بطريقة تختلف عن تقويم الزوج الذي لا يحب زوجته. فالأول يبالغ في محاسن السلوك، و يعطيها قيمة نفسية عالية، و يتحمل أخطاءها، و تكون ردود أفعاله حيالها تعاونية، فيها مودة و احترام، أما الثاني فيبالغ في العيوب، و يقلل من المحاسن، و يستخف بها، و يعطيها قيمة دونية، و تكون ردود أفعاله لها غاضبة و عدائية، مهما كانت تصرفاتها حسنة. و أخيرا يتأثر التقويم بنضج شخصية كل من الزوجين، و خبراته الانفعالية قبل الزواج، و ذكائه و فهمه لحقوقه و واجباته، و حقوق و واجبات الآخر، و درجة إيمانه بالله.فدرجة التدين عند الزوجين تجعل كلا منهما موضوعيا في تقويم ردود أفعال الآخر التي لا تعجبه، و تدفعه إلى كظم الغيظ و العفو و الإحسان إلى قرينه في مواقف الغضب، فلا يبالغ في تقويم أخطائه، و لا يتغاضى عن محاسنه، و قد كان الحسن بن علي رضي الله عنهما حكيما عندما جاءه رجل يطلب النصيحة في زواج ابنته. فقال: (زوجها لمن يتقي الله فإن أحبها أكرمها، و إن أبغضها لم يظلمها). رواه مسلم و أحمد

4.   الاستجابة: Response عملية نفس حركية، تتضمن ردود أفعال كل من الزوجين لسلوكيات الآخر، و هي استجابات لفظية أو حركية أو انفعالية، تعبر عن انفعالات الزوج و مشاعره و أفكاره نحو الزوج الآخر، و تثير فيه ردود أفعال لها. و هكذا تستمر عملية التفاعل. فالزوج يستجيب لسلوكيات زوجته و الزوجة تستجيب لسلوكيات زوجها، و تعتبر هده الاستجابات وسيلة الاتصال بين الزوجين، و طريقة التفاهم بينهما و أسلوبهما في حل مشكلاتهما، و في التعبير عن مشاعرهما و اتجاهاتهما نحو بعضهما البعض. و تقوم ردود الأفعال الكلامية و الحركية و الانفعالية على ما ينتج عن عمليتي الإدراك و التقويم من مشاعر ارتياح أو غضب. فالزوج الذي ينتهي إدراكه و تقويمه لسلوك الآخر بالارتياح و التقبل، تكون ردود أفعاله ودية جاذبة، و الزوج الذي ينتهي من دلك بمشاعر الغضب و عدم التقبل تكون ردود أفعاله عدائية نافرة. فاستجابة كل من الزوجين في التفاعل لا تحدث دائما نتيجة أفعال الزوج الآخر، لكن بحسب تفسيره هو لهذه الأفعال، و تقويمه لها، و انفعاله بها. كما إن ردود أفعال الزوجين في التفاعل الزواجي تتأثر بنضج شخصية كل منهما، فالزوج الناضج عقليا و انفعاليا قوي، يملك نفسه عند الغضب، و يسيطر على انفعالاته، و يتحمل أخطاء الزوج الآخر، و يعفو عن زلاته، و يقابل السيئة بالحسنة، و تكون ردود أفعاله ودية، فيها رفض للخطأ و تقبل للمخطئ، مما يشعر الزوج المخطئ بالأمن و المودة، و يدفعه إلى تعديل ردود أفعاله في التفاعل الزواجي، و يزداد التوافق بينهما حسنا. ومن هنا نستخلص إلى أنه كي نتحصل على تفاعل زواجي حسن و منه توفق جيد أن تكون جميع العمليات التي مررنا عليها جيدة  وحسنة من سلامة الحواس و المدركات حتى نتمكن من تقويم حسن و بالتالي ردود أفعال حسنة و طيبة.
 
اقرا ايضا :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق