الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

مبادئ الطب النفسى 2- الطب النفسى عند المسلمين

المرض العقلى في العصر الإسلامي :

إذا بحثنا في توجه الإسلام للتعامل مع المرض العقلى , لوصلنا إلى

مصدرين أساسيين يشكلان  ن هذا التوجه ، هما :

( ا ) لم تستخدم كلمة < مجنون > في القرآن للإشارة إلى الشخص الذي فقد عقله أو
 الشخص الذهاني , بل جاء ذكرها خس مرات في القرآن تفسيرا” لكيفية
إدراك الناس للرسل والأنبياء .

(2) وقد ذكرت كلمة الجنون في القرآن في وصف ما يلاحظه الناس على كل الأنبياء من شذوذ عن المعتاد وبعد عن المألوف , حين يبدأون دعوتهم التنويرية , وقد اقترنت الكلمة أحيانا”  بالسحرة أو الشعراء أو العلميين , وبشكل  ما نجد أن هناك مضمونا” إيجابيا”  للجنون ء يزعزع النظرية المضادة للطب النفسي في تفسيرها للجنون , و التي ازدهرت في منتصف الستينيات.
 ويرجع أصل كلمة <مجنون > إلى كلمة < جن > ,  وكلمة << جن>>  فى العربية لها
 مصدر واحد مع عدد من الكلمات الأخرى ذات المعاني المختلفة , ويمكن
 استخدامها للإشارة إلى الشيء المستتر أو الخفي , كالستار ، والدرع . فالجن أحد
 مخلوقات الله الخفية المستترة ,  والجنين مستتر داخل الرحم , والجنة خفية لايمكن
 إدراكها , والمجنون ستار على عقله . 
ولا يجوز أن نخلط بين الاعتقاد الخاطئ الحالي بأن المجنون هو من مسه
 الجن , ومفهوم العصور الوسطى عن الجنون ,  فالجن في الإسلام ليس بالضرورة
 شيطانا”  ,  أي ليس بالضرورة مرادفا” للروح الشريرة , دائما” بل هو روح خارج دائرة
 قوانين الطبيعة المحسوسة  أقل منزلة من الملائكة ,  فبعض الجن مؤمن ويستمع
 إلى القرآن ويساعد في اتجاه العدالة الإنسانية . وحيث إن الإسلام  ليس موجها”
 للبشر فقط ولكن إلى العالم الروحاني بأكمله . مما أثر على مفهوم المرضى
 العقليين والتعامل معهم , فحتى إن تملكهم الجن مجازا” فإن هذا الامتلاك  قد يكون
 من قبل الأرواح الخيرة أو الشريرة ء ومن ثم فلا مجال هنا لتعميم العقاب أو صب
 اللعنات أو تعذيب المرضى .

والى جانب النظرة إلى الجنون باعتباره مسا”  من الجن , نجد نظرة أخرى
 إيجابية حيث ينظر الناس إلى فاقد العقل باعتباره شخصا” مبدعا” , خلاقا” , جريئا”  في محاولته لإيجاد بدائل لنمط الحياة الساكن . وبهذا المعنى فقط , وجهت تهمة
 الجنون إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء الآخرين . ونجد الفكرة ذاتها في المواقف
 المختلفة من عدد من الغيبيات المعينة مثل الصوفية , حيث دفعت خبرات التمدد
 في الذات والوعي إلى نعتهم بالجنون , كذلك فإن مذكرات بعض الصوفية تعكس حدوث بعض الأعراض الذهانية ,  وكثير من المعاناة العقلية التي يعانون منها في
 طريقهم إلى خلاص النفس .

أما المفهوم الثالث للمرض العقلى , فهو نتيجة لعدم الانسجام أو ضيق
 الوعي الذي يتعرض له المؤمنون , ويرتبط بتزييف طبعية تكويننا الأساسي
 (الفطرة ) وكسر انسجام وجودنا بواسطة الأنانية أو الاغتراب , الممثل جزئيا” في
 افتقاد الاستبصار المتكامل ,  ويمكننا أن نفهم هذا المستوى أكثر إذا كان على معرفة
 بروح الإسلام  ,  كأسلوب وجودي للحياة والتصرف والارتباط بالطبيعة والاعتقاد
 الدفين فيما وراء الحياة , والذي لا يجب بالضرورة أن يكون ما فوق الطبيعة .

ويعتمد المفهوم السائد عن المرض العقلى في مرحلة معينة على ما إذا كان
 الفكر الإسلامي المهيمن في تلك المرحلة يتميز بالتطور أو التأخر ؛ فعلى سبيل
 المثال نجد أن المفهوم السائد في مراحل التأخر هو ذلك المفهوم السلبي الذي يعتبر
 المربض العقلى ممسوسا” بأرواح شريرة ، في حين أن مراحل التنوير والإبداع
 ترتبط بهيمنة مفهوم اختلال  الانسجام مع المجتمع . . . الخ .



ولكي نفهم هذه الأبعاد الثلاثة لمفهوم المرض العقلى في الإسلام , وهى : 
( أ ) المس .
(ب ) التجديد والتمدد في الذات . 
(ج) اختلال  الانسجام أو ضيق الوعي .

يجب أن نلم بالمزايا التي تتمتع بها الفلسفة الإسلامية , وهى: 
( 1) العلاقة المباشرة مع الإله دون الحاجة إلى وسيط ؛ مما يجعل علاقة المسلم
 بالله علاقة مباشرة ملهمة , واثقة . 
(2) نظرة واقعية عملية لاحتياجات الجسد والروح , ذلك أن الانعزال والنكوص
 والزهد والتطير المثالي ليس من دعائم الإسلام .
(3) هارمونية الفروض والطقوس مع الإيقاع البيولوجي الدوري ، مثل :
الصلاة ,الصيام , الوضوء, والهرولة بين الصفا والمروة .. الخ . 
4) الاعتقاد في البعث والآخرة , وهو ما يفتح الباب لبحث لانهائي في معرفة
 وخلق الزمن والذات . 
5) حرية إبداعية غير محدودة ، تعيد تشكيل مستويات جديدة من الوعي .

لقد ذكرت النفس 185 مرة في القرآن كمصطلح عام للوجود الإنساني
 كجسد وسلوك ووجدان وتصرف , أي كوحدة نفس-جسمية كاملة .



ولقد وجدنا توازنا” مثيرا” بين مراحل التطور البشرى السبع كما ذكرت في
 الصوفية والتطور النفسجنسى طبقا” لفرويد , وكذلك النفس اجتماعي طبقا” لأريكسون , كلاهما (الأخيران ) ينتهيان دون ما وصلت إليه الصوفية .
لقد ارتبط ظهور الإسلام بتغييرات جذرية في سلوك العرب ، ولقد شاع أن
 تعرف مرحلة ما قبل الإسلام بعصر الجاهلية ؛ ذلك أن تلاشي الحضارة العربية
 القديمة والتي استمرت مايتجاوز ألفى عام , وامتدت إلى عصور الآشوريين
 والبابليين , جعل الناس  ينظرون إلى المرض العقلى تحديدا” باعتباره نتيجة
 للأرواح الشريرة والجن .



لقد دفع القرآن باعتباره قانونا” دينيا” جديدا” , بالمسلمين إلى أسلوب جديد في
 الحياة استبدل بشكل جذري النمط الحضاري للفترة السابقة عليه , ولسنا هنا في
 حاجة للتأكيد أن القرآن ليس بمرجع طبي , ولا يجوز قياسه بالقياسات الأكاديمية
 الحديثة , ولكن من وجهة نظر الطب النفسي نجد دلالة تاريخية مهمة في ذلك
 الجزء من القرآن , الذي يتناول تفسير يوسف لحلم فرعون عن السبع بقرات
 السمان  والسبع بقرات العجاف , وكذلك نجد القرآن دقيقا” حازما” بشأن بعض
 المشكلات الطبنفسية مثل الانتحار ؛ إذ يقرر بوضوح أن لا تقتلوا أنفسكم ,  ذلك أن
 الله رحيم بكم . وقد وجد أن  لهذا النهى أهمية كبيرة ى الوقاية من الانتحار , كذلك نجد أن نسبة إدمان الخمر منخفضة في البلدان العربية , ولا يخلو ذلك من
 دلالة أن منع النبيذ جاء في القرآن على مراحل تدريجية , إذ ينص بداية على أن
 (لاتقربوا الصلاة  وأنتم سكارى ) ، ثم يليه ما يفيد أن الخمر هي رجس من عمل
 الشيطان , ثم أخيرا” النهى عن الخمر تماما” .
 وتركزت فلسفة النهى في أن احتساء الخمر والمقامرة كليهما يؤديان إلى
 العداوة والكراهية بين الناس ء ويلهيهم عن الصلاة  , وقد امتد تحرم الخمر فيما
 بعد بالقياس ليتناول المسممات والمخدرات الأخرى .



كذلك نجد أن الحوار التفصيلي بين النبي لوط وشعبه مثال على الدعوة
الواضحة لمحاربة الجنسية المثلية . 
وسنتعرض باختصار إلى عدد من الموضوعات الأخرى المرتبطة بالصحة
 النفسية , فهناك عديد من الآيات القرآنية التي تشير إلى الزواج والطلاق والرعاية
 الأسرية والتبني والأيتام والنساء والزنا والدعارة والأبوة والمسئولية الشخصية , وموضوعات أخرى متعددة , تتضمن مبادئ محددة حول الواجبات الأخلاقية
 والمدنية التي تحكم العلاقات الإنسانية .
وقد كان لتركيز الرسول ( صلى الله عليه وسلم) على العلاقة بين العوامل النفسية والأمراض
 الجسمية أهمية خاصة ,وقد اتضح ذلك جليا” في قوله ما يفيد بأن الكروب المتراكمة
تؤثر على وظائف الجسد . 
وقد كان لتعاليم المعالج الكبير  الرازي أعمق الأثر على الطب العربي
 وكذلك الطب الأوروبي ,  ومن أهم كتاباته <<المنصوري >> وكتاب «الحاوي» .
 ويتكون الكتاب الأول من عشرة فصول .  تتضمن وصف”  لأنواع الأمزجة المختلفة , ويعتبر دليلا”  متكاملا”  في مجال الخلقة تدل على الخلق ,  أما كتاب <<الحاوي >>  فيعتبر
 أكبر موسوعة طبية أصدرها طبيب عربي ,  وقد تم ترجمتها إلى اللاتينية عام
 1279 ,  ونشرت في عام 1486 , وتعتبر أول كتاب إكلينيكي يعرض الشكاوى
 والعلامات والتشخيص المفارق والعلاج المؤثر للمريض . 
ويعدها بنحو مائة عام,  ظهر كتاب القانون لابن سينا ,  والذي يعتبر كتابا” تعليميا” يتميز بالتصنيف الأفضل والترتيب الذهني والتوجه المنطقي , وقد قدر له
 أن يمثل أساس التعليم الطبي في أوروبا لعدة قرون . وقد جاء بعد <القانون > في الطب ا بن سينا عمل آخر لا يقل روعة ,  ألا وهو كتاب < الملكي >  لعلى عباس الذي يعتبر مثل < الحاوي > للرازي عملا”  خالدا”  في مجال التنظير والممارسة في الطب .

اقرا ايضا :

مبادئ الطب النفسى 1-الفريق العلاجى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق