الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

مبادئ الطب النفسى3-تاريخ الطب النفسى

- المس عند البدائيين:

ليس هناك كبير شك في أن الإنسان البدائي قد خبر العناء والقلق والألم النفسي. لكن صفة البداية التي صبغت تطوره العقلي قد تكون السبب في أن قدرته على التمييز بين الحقيقي وغير الحقيقي, وبين الجسمي والنفسي وبين الشعور والتفكير كانت منعدمة أو على الأقل ضعيفة . والدراسات التي انصبت على القبائل البدائية في عصرنا الحديث وكذلك النتائج الأنثروبولوجية توحي بأن المرض العقلي كان قائما”  موجودا” بالفعل عند الإنسان في عصر ما قبل التاريخ . ولعل المرض العقلي قد اتخذ عندئذ صورة تتوقف على المرتبة التي توصل إليها ذلك الإنسان من حيث تطوره العقلي , وعلى أنواع العناء والضغوط المرتبطة بصراعه من أجل البقاء، وعلى ما سمحت بوجوده الأنظمة الاجتماعية أو الحضارية البداية من موارد آنذاك .

كذلك تشير الجماجم المتبقية إلى احتمال وجود صور بدائية من الجراحة.كانت تقوم على العلاج بالطقوس . وفي هذه الجراحات كانت الجماجم تثقب ثقوبا” دائرية باستخدام ما تيسر من أدوات `القطع الغليظة . وأغلب الظن أن القصد من وراء ذلك كان إخراج ما قد يكون هنالك من أرواح شريرة داخل المريض من خلال تلك الفجوة في الجمجمة.
 أكمل قراءة بقية الموضوع لمعرفة الطب اليوناني والطب في العصور المظلمة…
 ثم تقدم التطور المادي للإنسان ، فأخذت تفسيراته للمرض تتجه بشكل واضح نحو الوجهة الشيطانية أو وجهة الجن والأرواح الشريرة , أي الاعتقاد بأن مناك أسبابا” من خارج الجسم هي المسؤولة عن الظواهر. وكما أن القدامى من أهل الصين والمصريين والعبرانيين قد اتجهوا إلى الإيمان بالأرواح أو الآلهة ليفسروا عالمهم المادي من حولهم , نراهم قد لجأوا إلى الأرواح الشريرة والشياطين والمس من الجن لتفسير المرض .
  فما دام المرض يعود في أساسه الى روح ما وإن كانت شريرة , فلا بد منطقيا” من أن يتأتي العلاج من قبل شخص له اتصال خاص بالأرواح أو الآلهة , وذلك هو الكاهن . وكثيرا” ما كانت المحاولات الفجة لطرد الروح الشريرة تزيد من شقاء المريض لا من شقاء ذلك الشيطان أو المارد الذي سكن جسه .


- الطب اليوناني الروماني (تفسيرات مبكرة ) :

انشغلت اليونان فيما قبل أبو قراط بفكرة المرض العقلي والأساطير: كان الجنون ينب إلى قوة الآلهة وتأثيرها.
وبفضل أبو قراط Hippocrates ( 460 – 357 ق.م تقريبا”) حدث تغير ملحوظ في التفكير الطبي . كان رجلا” يؤمن بقيمة الملاحظة الحادة المنهجية ، ولذلك فلا عجب أن قام بتسجيل
الوصف الانطباعي الأول للمالنخوليا Melancholia .  أضف إلى ذلك أنه زودنا بأوصاف مكتوبة للجنون الذي يطرأ بعد الوضع , وللمخاوف المرضية أو الغريبة ، ولحالات الهذيان المرتبطة ببعض أنوع السموم أو التلوث ، ولبعض الحالات النفسية المرتبطة بأصل عضوي. وقد تمكن ، خلال عمله الإكلينيكي   من التعرف عل الهستيريا والهوس والصرع والتدهور العقلي.  بل إن أبو قراط نفسه آمن بأن الإنسان يعكس العناصر الأربعة الأساسية في الكون : التراب والماء والنار والهواء .  كان يقال إن السوائل في جسم الإنسان كمثل هذه العناصر: فالمرارة الصفراء مشتقة من التراب ، والمرارة السوداء من الماء، والدم من النار، والبلغم من الهواء. والمرض العقلي نتيجة لاختلال التوازن بين سوائل الجسم.

أما علم النفس عند أفلاطون فقد عاد إلى أهمية القدسية , فالنفس العاقلة قدسية والنفس غير العاقلة حيوانية فانية وهي مصدر كل النزاعات والمشاعر وسبب الجنون أو عدم المعقولية .
أما أرسطو فقد رأى في سلوك الإنسان وتصرفاته  مرتبة محددة في سلم يربط بينه وبين غيره من الكائنات الحية .

وإذا كان أبو قراط يمثل قمة الطب الإغريقي فإن جالينوس (130 – 200 )   كان ذروة العالم الرومان . وقد فصلت سبعة قرون بين هذين الرجلين اللذين تشابهت أمزجتهما : فقد كان كل منهما شديدا” في هجماته وقوي التعبير عن معتقداته وكان جالينوس توفيقيا” أي شخصا” لا يدعو الى نظرية واحدة ولا يرفض نظرية مفردة ، وإنما يتخير ويجمع وينسق بين أحسن ما تراكم من المعرفة . كما يؤثر عن جالينوس انه رأى أن العضو أو الجزء المتأثر بالمرض قد لا يكون بالضرورة ذلك الجزء الذي يستقر فيه المرض .

- العصور المظلمة (عودة الاتجاه الروحي) :

ولما مات جالينوس في سنة 200 ق.م  ، توقفت مسيرة التقدم في الطب ، وعاد عمر الظلمة أو الجهالة الطبية والتفكير الخرافي القائم على التطير ليسود العالم المتمدن . فقد حرمت التعاليم اليونانية الرومانية بوصفها نوعا” من الوثنية ، وعاد المرض العقلي  ينظر إليه على أنه نوع من المس ، ووضعت القوانين التي تنص على ضرورة إدانة ومحاكمة كل من تعرض للمس , وكل من يحاول علاجه.
وفي القرن الثالث عشر أدى الصراع بين التفسيرات الدينية والدنيوية للإنسان والمرض إلى تناقضات درامية . وانعكست هذه التناقضات بصفة خاصة في سلوك فريد ريك الثاني الذي وضع تعاليم التعليم الطبي التي لا تزال قائمة إلى اليوم .

فلما كان القرن الخامس عشر الميلادي ، بلغت سيطرة الانفعالات الدينية على تفكير الأطباء والمشرعين حد الذروة . وأصبحت << الحقائق >>  تقوم ، لا على الملاحظة الدقيقة والتحليل الموضوعي , ولكن على الوثائق الدينية من قبيل مطرقة الجن    Malleus Maleficarumوهو كتاب تمخضت عنه حماسة الباحثين عن شياطين الجن ويمثل نهاية المكاسب السابقة التي تم إحرازها في مجال الطب السيكاتري ( النفسي ). كانت العبارة البسطة «هذا مناف للإيمان الصحيح » تقضي بصفة نهائية على كل شك في وجود الشياطين أو الجن وفي أنها المسئولة عن الأعراض غير  الإنسانية  التي تظهر على المريض !
- الثورة السيكياترية : غلبة التفكير العقلي على البحث عن الشياطين :
وبينما الظلام يغلف العالم كانت هناك بذور تغرس بهدوء ، بذور ثورة سوف يدوي انفجارها فيما بعد . فقد بدأت أقلام عدد من العلماء غير الأطباء تظهر أول الاهتمام بالدراسة العلمية الحقة للسلوك . وقد ظهرت كلمة «علم النفس    Psychologyللمرة الأولى في مخطوطات جوكل Goeckel  1590 , ومخطوطات  كاسمان Casmann  تدعو إلى العودة إلى وجهات النظر الإنسانية الى البشرية . كذلك ساعد فرانسس بيكون  Francis Bacon   (1561-1626 ) في  وضع اتجاه جديد يقوم على الفصل بين العقل والروح . وذهب إلى أن للعقل خصائص و وظاثف مرتبطة بالجسم لا بالروح ، وان عقل الإنسان يمكن دراسته من خلال المناهج الامبيريقية لا الميتافيزيقية,  وأصبح العقل الآن حرا” له كيانه المستقبل بحيث يدرس لذاته ، لا لنبين الطبيعة المقدسة للإنسان.

- القرن السابع عشر –  عوده الفرض العضوي:

بقي كثير من الأوروبيين يؤمنون بحقيقة المس من الجن وبوجود التحالف الخفي بين الإنسان والشيطان . ففي مدينة لودن ( Loudun )  حاولت راهبة ضئيلة  الحجم في دير أرسولين تدعى الأخت جين (Sister Jeanne) أن تكسب عطف قسيس جديد جذاب يدعى الأب أوربين جراندير ( Father Urbaine Grandier) كانت قد سبقته إليها شهرته في العشق فاستولت عليها وتملكتها. فلما صدها القس عنه أخذت الأخت جين تحدث غيرها من الراهبات بأنها ترى في منامها الأب جراندير يراودها عن نفسها. الأمر الذي ترتب عليه أن أخذت الراهبات الأخريات يرين ل منامهن نفس الرؤيا. ثم سرعان ما تفشت حالة من التشنج والتقلصات بين الراهبات ، وكانت الأخت جين نفسها تتقلب على الأرض تصرخ وتصك أسنانها بينما الشيطان يجدف ويفحش في القول من فمها. واتهم الأب جراندير وأدين على أنه المسئول عن هذا المس الذي أصاب الراهبات , وتم إحراقه حيا”. ثم تم استدعاء عدد كبير من الرجال المقدسين للتخلص من الشياطين ولكن في غير طائل . وكان من هؤلاء رجل يقال له الأب جان جوزيف سورين ( Jean Joseph Surin  ) حاول جاهدا” ولكنه خر صريعا” هو كذلك في آخر الأمر.

- القرن الثامن عشر: التصنيفات وحركات الإصلاح تتزايد :
سادت في القرن الثامن عشر الرغبة في التنظيم والتصنيف إلى مقولات منظمة (تصنيفات الأمراض ). وقد كان ستال Stahl (1660_ 734ا), ذلك الرجل الذي اتصف بشدة التشبث بآراثه وبالعناد، أول من قسم المرض العقلي إلى نوع له أصل عضوي,  وأنواع لها أصول وظيفية أو نفسية . ثم قدم غيره من الناس تصنيفاتهم حتى كثرت التصنيفات التشخيصية بما يتضمنه ذلك من التمييزات الدقيقة.
كذلك نجد من بين الأطباء المتحمسين من يكتب مؤلفا” من ثلاثة أجزاء يتضمن ثلاثمائة وستا وعشرين صفحة مخصصة لتحديد الصور المختلفة للمرض العقلي .
أضف إلى ذلك أن فورة الحماس هذه تمثل مع ذلك نشأة الطب العقلي بوصفه فرعا” متخصصا” من دراسة الطب .

وبعد الثورة الأمريكية بسنتين , ظهر نوع فريد جديد من العلاج كان السبب في شفاء بعض الحالات بصورة درامية في كل من فيينا وباريس , ذلك أن آنتون مسمر Anton Mesmer (1734-  1815) كان يجلب الشفاء بأن يدفع بالناس إلى <<أزمات >> تتمثل في التقلصات المفاجثة , ونوبات البكاء وشفافية الرؤية .
مع انه في ذلك الوقت كلفة لجنة لتقصي حقيقة الطريقة المسمرية التي كانت تسمى التنويم المغناطيسي , وقد أظهرت اللجنة كذب إدعاءات ميسمر فقد كان رجلا جشعا” يبحث عن الثراء, مع  ذلك ظلت المسمرية تسحر أوروبا اربعين سنة بسبب جاذبيتها الدرامية ،  وما يبدو من قدرتها على الشفاء المعجز، وبسبب مسمر نفسه . فقد كان مسمر شخصية  جماهيرية لها خطرها .حيث ابتكر طريقة التنويم المغناطيسي .

- القرن التاسع عشر :
مدرسة نانسي : هو
احد الأطباء الفرنسيين اسمه ليبو , الذي يرجع كثير من الناس الفضل له مع بريد في إنشاء العلاج النفسي  وقد ساعدا على الكشف عن معظم  اسرار الهستيريا .
مدرسة سالبتريير :
كان شاركوت (1825 – 1893) مديرا لمدرسة سالبتريير التي عرف عنها تأكيدها للتفسيرات العضوية للهستيريا والتنويم المغناطيسي . وتعد هذه المدرسة أول مركز للدراسات الجامعية العليا في بحال تعليم  الطب العقلي بصفة رسمية كما تمكن شاركوت من القضاء التام آخر الأمر على التفكير الخرافي القائم على التطير الذي  تميز به  الاتجاه الشيطاني وذلك حين قدم تفسيرا سيكولوجيا لظاهرة  المس . ذهب شاركوت  الى أن الأمارات التي تفسر خطأ  على أنها دليل عل الإصابة بالمس من الجن هي في حقيقتها أعراض للهستيريا . كما  أكد من ناحية أخرى إيمانه بأن الهستريا تعود الى  اضطرابات عضوية , وأن ظواهر التنويم المغناطيسي هي نفسها أعراض لإختلالات عضوية.

- القرن العشرون : كشوف ثورية :
من الصعب أن نقوم بتحديد أو تصنيف دقيق لما أسهم به القرن العشرون أما من حيث التشخيص فيمكن أن تذكر التطورات التالية : النظريات السيكودينامية عند فرويد، والتسليم بتعدد العوامل المحددة للمرض (البيولوجية والاجتماعية والسوسيولوجية ) التي دعا إليها ماير Meyer , التحليل للعلاقات بين الأشخاص الذي تقدم به سليفان  Sullivan والذي يناقض به مفهوم وحدة  كيان المرض ( disease entity concept) ثم الأدلة  الطبية التي تؤيد وجهة النظر التي تقول بأن العوامل العضوية هي التي تسبب المرض العقلي من قبيل الكشف عن (Spirochetes) الذي يسبب الزهري وجنون الشلل العام ، ثم تواتر الأدلة على احتمال وجود عوامل وراثية عن طريق دراسات التوائم التي قام بها كولمان Kallman واكتشاف اختلالات في الصبغيات في حالات التأخر العقلى  فقد قدم سيجموند فرويد نظريته عن التحليل النفسي ( الهو والانا و الأنا الأعلى ).
وكان بافلوف العالم الروسي هو من وضع نظرية الارتباطات الشرطية .
ويعد هذا القرن العشرين الذي يحوي العديد من العلماء عصر نهضة الطب النفسي بحق  .


المصدر : علم الأمراض النفسية والعقلية , تأليف:   ريتشارد م . سوين
                                      ترجمة : أحمد عبدالعزيز سلامة .

اقرا ايضا :

مبادئ الطب النفسى 2- الطب النفسى عند المسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق